حي المحيط بالرباط.. جرافاتٌ تعصف بتاريخ أحياء عريقة وذاكرة جماعية تحت الأنقاض، والعمدة تعتبر ما يروج عن تشريد الساكنة بـ "التضليل الإعلامي"

 حي المحيط بالرباط.. جرافاتٌ تعصف بتاريخ أحياء عريقة وذاكرة جماعية تحت الأنقاض، والعمدة تعتبر ما يروج عن تشريد الساكنة بـ "التضليل الإعلامي"
الصحيفة من الرباط
السبت 15 مارس 2025 - 17:24

"كيف نغادر منازلنا التي أوتنا لأزيد من 70 سنة؟ لصالح مَن يتم تهجيرنا؟ ومن المستفيد؟"، سؤالٌ مؤلمٌ باتَ يردّده بحرقة سكان الواجهة البحرية لحي المحيط بالرباط، الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام قرارٍ مُرّ يهددهم بالتشريد ويُنذر بهدم ذكرياتهم الممتدة لعقود من الزمن.

على بعد خطوات من أمواج حي المحيط الهادرة، تحكي نجية الصالحي لـ "الصحيفة" بصوتٍ يغمره الحزن تفاصيلَ ما حدث، وهي التي وُلدت وترعرعت وشابت حتى بلغت عقدها السادس في منزلٍ باتَ اليوم مهدَّداً بالإخلاء والهدم،"بدون موجب حق" موردة بمرارة: " هذه القصة، بدأت منذ يونيو الماضي جاءتنا السلطات وطلبت منّا إزالة بعض الإضافات البسيطة خارج المنازل، وهو ما استجبنا له دون اعتراض إيماناً منّا بأن الأمر لا يتعدّى مبادرة لتحسين واجهة الحي".

وأبرزت المتحدثة، أن السكان كانوا على درجة عالية من التجاوب مع تعليمات السلطات والثقة فيهم أيضا، حيث أجروا بالفعل تعديلات جمالية على منازلهم من مالهم الخاص، قبل أن يُطلب منهم فجأةً التوقف عن العمل بحجة وجود مشروع "صلاح نموذجي موحد"، لكنّ الصدمة الأكبر التي أفجعتهم كانت عندما علموا لاحقاً بأن كل ما بذلوه من جهد مادي ومعنوي سيذهب سدىً، بعدما أُبلغوا بقرارٍ شفهي غير موثّق رسمياً بالهدم الكامل لمنازلهم.

وتؤكد نجية بحرقة كبيرة: "نحن كساكنة، لم نتسلم أي وثيقة رسمية تثبت هذا القرار، العملية ككل سارب بأوامر شفهية وضغوطٍ من رجال السلطة، فهؤلاء يطلبون منّا توقيع وثائق غامضة دون أن نعرف محتواها، وهو ما أمر مرعب، فبعضنا أيضا غير دارس، أو متقدم في السن  أو أرامل وهذا ما يُثير مخاوفنا من تلاعبات محتملة"، قبل أن تسترسل متسائلاً: "ملكنا لطالما دعا السلطات إلى احترام كرامة المواطن، ويحث الحكومة والمسؤولين عليها في كل مناسبة هل بهذه الطريقة بتم تنزيل الخطابات الملكية؟".

بدوره، يستنكر مصطفى بكوري، أحد سكان الحي والمتضررين من هذه الإجراءات، ما وصفه بـ"التعسف" الذي يتعرضون له، إذ موضحا في حديثه لـ" الصحيفة" أن السكان قد أُبلغوا شفوياً بقرار بيع منازلهم بأسعارٍ مُحدَّدة بشكل أحادي، حيثُ بلغت القيمة المالية للعقارات المحفظة 13 ألف درهم للمتر المربع، و10 آلاف درهم للعقارات غير المحفظة، مشدداً على أن تحديد الأثمنة ليس من اختصاص السلطات المحلية التي "من المفترض أن تحمي المواطنين وتضمن استقرارهم، لا أن تساهم في تشريدهم، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان الفضيل".

ويعبّر بكوري عن دهشته من توقيت قرار الإخلاء الذي لم يُراعي بأي طريقة "حرمة رمضان الشهر الكريم، ولا أوضاع المواطنين الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام مصير مجهول، فمن جهة يكابدون الغلاء وارتفاع مستوى المعيشة ومن جهة ثانية تأتي هذه القرارات لتقهرهم"، مستنكراً طريقة التعامل "القاسية والمخزية" مع السكان الذين لم يجدوا أي اعتبار لظروفهم الاجتماعية أو المادية، كما لفت إلى أن المستأجرون هم الأكثر تضرراً في هذه القضية، حيث يعانون "الضغط والترهيب من رجال السلطة لإجبارهم على الرحيل دون ضمانات واضحة".

وفي هذا الصدد، يؤكد مهداوي، المستشار في فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن المكترين "يعيشون مأساة حقيقية، إذ يتعرضون لضغوطات من السلطات دون مراعاة لحقوقهم أو كرامتهم، ليجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا مأوى أو بديل لائق".

ويُحمّل مهداوي، الذي تجند في الصفوف الأمامية للدفاع عن المتضررين، السلطات المسؤولية الكاملة، معتبراً ما يحدث "تجاوزاً صارخاً للقوانين"، كما أكد أن حزبه يدعم بقوة التوجه إلى القضاء، خاصةً لمن لم يوقّعوا بعد على عقود البيع.

وشدد، الفاعل السياسي على أن حزبه يضع إمكانياته بالكامل إلى جانب الساكنة المتضررة، مشجعاً إياهم على الاتحاد والتماسك والتوجّه إلى القضاء للطعن في تلك العقود التي وصفها بـ"عقود الإذعان"، كما أكد أن "مقر حزب فيدرالية اليسار مفتوح في أي وقت لدعم هؤلاء المواطنين والدفاع عن قضيتهم العادلة".

من جانبها، انتقدت فاطمة التامني، البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، في سؤال كتابي وجهته لوزارة الداخلية، بشكل واضحٍ وصريح قرار الهدم، مؤكدةً أنه "يفتقر لأي أساس قانوني"، مطالبةً الوزير "لوقف هذا العبث بشكل عاجل"، كما دعت إلى توضيحات قانونية بشأن العملية المثيرة للجدل.

وتؤكد التامني، ضمن سؤالها الذي تتوفر عليه "الصحيفة" أن هذه المنازل التي يُعتزم هدمها "محفظة ومسجلة رسمياً في المحافظة العقارية"، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً عن "الجهة التي تقف وراء محاولة إجبار السكان على الرحيل بشكل غير قانوني، وتحت ضغوط من رجال السلطة، معتبرة أن ما يحدث هو "تعدٍ واضحٌ على كرامة الإنسان، واستخفافٌ بحقوق المواطنين".

المستشار مهداوي هو الآخر، أشار بوضوح إلى عدم قانونية العملية، مستنكرا في ندوة عقدها الاثنين الماضي،ً "تجاهل مسطرة المنفعة العامة التي تفرضها القوانين المغربية، حيث كان من المفترض الإعلان عن مرسوم المنفعة العامة ثم تحديد الثمن عبر لجنة إدارية، وبعد ذلك اللجوء للمحكمة الإدارية"، مؤكدا أن هذا الأمر "لم يحدث إطلاقاً"، حيث أشار إلى أن "ما يجري في حي المحيط لا يعدو أن يكون محاولةً لإفراغ الساكنة الأصلية لصالح جهات مجهولة".

والساكنة بدورهم، رفعوا نداءً عاجلاً إلى الملك محمد السادس، مطالبين إياه بالتدخل شخصياً في قضيتهم، معتبرين أن ما يحدث "لا يتماشى مع رؤيته التي تمنح الأولوية لكرامة المواطنين"، مؤكدين بأصوات ممتلئة بالمرارة "لن يتنازلوا عن حقهم في الدفاع عن بيوتهم وتاريخهم وذكرياتهم، وأنهم مستعدين للصمود في وجه ما وصفوه بـالتجاوزات والظلم والتسلط"، متطلعين إلى تدخل ملكي حاسم يُعيد لهم الطمأنينة ويصون كرامتهم الإنسانية".

بالمقابل، خرجت عمدة مدينة الرباط، فتيحة المودني، عن صمتها في مؤتمر صحافي هو الأول من نوعه منذ انتخابها في مارس 2024، لتدافع بقوة وثقة عن مشروع تهيئة العاصمة، وخاصة ما يتعلق بحي المحيط (سانية الغربية)، مؤكدة أمس الجمعة أن "جميع المواطنين الذين كانوا يقيمون بالحي حصلوا بالفعل على تعويضات منصفة وعادلة".

وقالت المودني، التي تنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، أمام حشد واسع من الإعلاميين وبحضور شخصيات سياسية من الأغلبية والمعارضة: "ما جرى في حي سانية الغربية لم يكن نزعًا للملكية من أجل المنفعة العامة كما يُروَّج، بل عمليات بيع تمت بشكل رضائي وودي مع مالكي العقارات، كما أن المستأجرين الذين كانوا يقطنون في ظروف هشة وغير لائقة استفادوا من تعويض يمكّنهم اليوم من امتلاك سكن اجتماعي كريم بمدينة تمارة، قرب العاصمة".

وأضافت العمدة موضحة الرؤية الشاملة للمشروع: "نطمح إلى أن تكون الرباط مدينة عصرية، متطورة، وحيوية، مدينة تساهم في الاقتصاد الوطني وتحتضن فضاءات خضراء ومشاريع عمرانية جديدة. من الطبيعي أن نعمل على توسيعها وتجديد بنيتها التحتية، وإزالة المباني القديمة لاستبدالها بمشاريع عصرية تلائم المكانة التي تستحقها عاصمتنا، خاصة وأن المدينة تستعد لاستقبال تظاهرات عالمية كبرى، على رأسها كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030".

واستنكرت المودني بشدة ما وصفته بـ"التضليل الإعلامي والمزايدات السياسية" التي قالت إنها تستهدف إجهاض هذا المشروع المهم، مؤكدة بنبرة حازمة: "صوتنا على هذا المشروع لأننا نؤمن بأنه يخدم المصلحة العامة للمدينة ولبلادنا، ولن تثنينا المزايدات عن تحقيق طموحنا في جعل الرباط عاصمة نفخر بها جميعًا".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

نعيش أحلك سنوات المغرب سياسيا

يوم الخميس، 13 مارس الجاري، قرر الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوسا، حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 18 ماي المقبل، وذلك بعد حجب الثقة عن رئيس الوزراء اليميني ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...